مع التغيرات الحديثة في أساليب التعليم، ظهرت البيداغوجيا المعكوسة أو المقلوبة كأحد النماذج التربوية التي تهدف إلى تغيير الأدوار التقليدية في عملية التعلم. في هذا النموذج،  يتم توزيع التعلم بين المنزل والقسم بطرق مختلفة تركز على التفاعل والتطبيق العملي داخل القسم. يتعلم التلاميذ المفاهيم الأساسية خارج القسم من خلال مصادر مختلفة كالفيديوهات تعليمية أو موارد رقمية أخرى، بحيث يتعلم التلاميذ الأساسيات بمفردهم في المنزل. وعند قدومهم إلى القسم يشاركون في أنشطة تطبيقية مع زملائهم بإشراف الاستاذ، مما يسهم في تعزيز فهمهم وتحقيق تعلم فعّال.

يعود مفهوم البيداغوجيا المقلوب إلى أواخر القرن العشرين، وشهد تطوراً واهتماماً متزايداً بفضل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا والموارد الرقمية. وقد أظهرت الأبحاث أن هذا النموذج يعزز الأداء لدى التلاميذ ذوي المستوى الأقل.

فقد تمت التجارب الأولى في هذه المقاربة  التعليمية الجديدة، على يد إريك مازور خلال السنوات 1990، كما طبقت المقاربة في كل من أمريكا وكندا، ثم بدأ تجريبها في فرنسا على يد بعض الباحثين. وقد لاحظ كل من برجمان وزميله سامس (J.Bergmann et A. Sams) أنه بفضل استخدام هذه المقاربة ارتفعت درجات التلاميذ وتحسن تحصيلهم الدراسي.

والواقع أن تطبيق هذا النموذج التعليمي، يجعل الوقت المخصص للدرس لم يعد يركز على تحديد المفاهيم، وإنما تطبيقها. وهدف التعليم هو البحث عما يفيد التلاميذ قبل كل شيء. كما أن هذه الطريقة عرفت انتشارا واسعا في ألمانيا، حيث ألفت حولها العديد من الكتب. ويعود الفضل في ذلك إلى فالكو بيشيل (Falko Peschel) الذي نشر هذه المقاربة.

أما المبادئ الأساسية التي تحكم هذه المقاربة، فهي حسب بيشيل، التعلم من خلال الاكتشاف، وحل المشكلات بالاعتماد الذاتي، والقيام بالأنشطة الموجهة. وبشكل عام، فإن هذه الممارسات تشجع الاستقلال أكثر لدى المتعلمين. وبعبارة أوضح، فإن هذه الطريقة في التعليم تخضع للمبادئ التالية:

◂ تنظيم الوقت المخصص للعمل؛
◂ تحدد أهداف العمل اليومي؛
◂ تمارس أشغال تطبيقية؛
◂ توظف مشاريع تعليمية ـ تعلمية.

يركز هذا النموذج على جعل المتعلم أكثر استقلالية وقدرة على التعلم الذاتي، وتعويد التلاميذ على التعاون والعمل الجماعي، حيث يتيح لهم شرح ما تعلموه لغيرهم مما يعمق فهمهم. كما يحرر الاستاذ من دوره التقليدي كمصدر وحيد للمعلومات، ويساعده في متابعة مستوى التلاميذ بشكل أكثر تخصيصًا.

أهداف وفوائد البيداغوجيا المعكوسة

- تحفيز التعلم الذاتي: حيث يكون التلميذ مسؤولًا عن تعلم المفاهيم الأساسية.
- زيادة التفاعل داخل القسم: حيث يشارك التلاميذ في أنشطة تفاعلية تساعدهم على فهم أعمق للمحتوى.
- تخصيص دور الاستاذ للتوجيه: يتحول دور الاستاذ إلى مُرشد ومساعد للتلاميذ في تطبيق المعرفة.
- تعزيز التفكير النقدي والتعاوني: يتيح هذا النموذج للتلاميذ فرصة تبادل الآراء ومناقشة الأفكار بشكل أوسع.

كيفية تطبيق البيداغوجيا المعكوسة

لتطبيق هذه البيداغوجيا، يمكن للمعلمين إعداد دروس مسجلة أو استخدام مواد تعليمية رقمية موجودة، مع التأكد من أن التلاميذ قد حضروا لهذه الدروس قبل الحضور للقسم. داخل القسم، يتم تشجيع التلاميذ على العمل على مشاريع أو حل مسائل تتطلب التفكير النقدي، بينما يكون الاستاذ متاحًا لدعمهم وتوضيح ما قد يصعب عليهم فهمه.

ويُعد هذا النموذج فعالًا بشكل خاص في الاقسام التي تتطلب تطبيقًا عمليًا للمعرفة، مثل العلوم والرياضيات، ولكنه يمكن أن يُطبق على مواد أخرى لتحقيق تفاعل أكبر وتجربة تعلم أعمق.بة تعلم أعمق.